كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وثالثها: أن يقع قضاء لعبادة كانت مندوبة.
ورابعها: أن يداوم على الفعل ثم يخل به من غير نسخ، فيكون إدامته صلى الله عليه وسلّم دليلا على كونه طاعة، وإخلاله به من غير نسخ دليل على عدم الوجوب.
وأما الوجوب، فيعرف بتلك الثلاثة الأول مع خمسة أخرى:
أحدها: الدلالة على أنه كان مخيرا بينه وبين فعل آخر قد ثبت وجوبه، لأن التخيير لا يقع بين الواجب وما ليس بواجب.
وثانيها: أن يكون قضاء لعبادة ثبت وجوبها.
وثالثها: أن يكون على وقوعه أمارة قد تقرر في الشريعة أنها أمارة الوجوب كالصلاة بأذان وإقامة.
ورابعها: أن يكون جزاء الشرط موجب كفعل ما وجب نذره.
وخامسها: أن يكون لو لم يكن واجبا لم يجز كالجمع بين الركوعين في الكسوف.
قال: الفعل إذا عارضه معارض، فمعارض فعله صلى الله عليه وسلّم إما أن يكون قولا أو فعلا، أما القول: فإما أن يعلم أن المقدم هو القول أو الفعل، ولا يعلم واحد منهما.
أما القسم الأول: وهو أن يكون المتقدم هو القول والفعل المعارض إما أن يحصل عقيبه أو متراخيا عنه، فإن كان متعاقبا له فإما أن يكون القول متناولا له خاصة، أو لأمّته خاصة، أو له ولهم معا، لا يجوز أن يتناوله خاصة إلا على قول من يجوّز نسخ الشيء قبل حضور وقته، فإن تناول أمته خاصة وجب المصير إلى القول دون الفعل، وإلا لكان القول لغوا ولا يلغو الفعل لأن حكمه ثابت في الرسول صلى الله عليه وسلّم، وإن كان الخطاب يعمه وإياهم، ذلك فعله على أنه مخصوص من القول، وأمته داخلة فيه لا محالة وإن كان الفعل متراخيا عن القول، فإن كان القول عاما لنا وله صار مقتضاه منسوخا عنا وعنه، وإن تناول ما دونه كان ناسخا عنا دونه، لأن القول لم يتناوله، وإن تناوله دوننا كان منسوخا عنه دوننا، ثم يلزمنا مثل فعله لوجوب التأسي به.
القسم الثاني: أن يكون هو الفعل، فالقول المعارض له إما أن يحصل عقيبه أو متراخيا عنه، فإن كان متعقبا: فإما أن يكون الفعل متناولا له خاصة، أو لأمنه خاصة، أو عاما فيه وفيهم، فإن كان متناولا له خاصة وقد كان الفعل المتقدم على لزوم مثله لكل مكلف في المستقبل فيصير ذلك القول المخصص به مخصصا له عن ذلك العموم، وإن كان متناولا لأمته خاصة، دل على أن حكم الفعل مختص به دون أمته، وإن كان عاما فيه وفيهم دلّ سقوط حكم الفعل عنه وعنهم، وأما إن كان القول متراخيا عن الفعل، فإن كان القول متناولا له ولأمته فيكون القول ناسخا لحكم الفعل عنه وعن أمته، أو يتناول أمته دونه فيكون منسوخا عنهم دونه أو يتناوله دون أمته، فيكون منسوخا عنه دون أمته.
القسم الثالث: إذا لم يعلم تقدم أحدهما على الآخر فهاهنا يقدم القول على الفعل ويدل عليه وجهان.
أحدهما: أن القول أقوى من الفعل، والأقوى راجح، إنما قلنا أنه موافى لأن دلالة القول تستغني على الفعل، ودلالة الفعل لا تستغني عن القول، والمستغني أقوى من المحتاج.
والثاني: أنا نقطع بأن القول قد يتناولها، وأما الفعل فبتقدير أن يتراخى كان متناولا لنا معلوم، وبتقدير أن يتناولنا أو لا يتناولنا، وكون الفعل متناولا لنا معلوم، وكون الفعل متناولا لنا مشكول، والمعلوم مقدم لنا على المشكول.
فرع: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة، ثم جلس في البيت لقضاء الحاجة مستقبل بيت المقدس، فعند الشافعيّ- رحمه الله- أن نهيه مخصوص بفعله حتى يجوز استقبال القبلة واستدبارها في البيوت لكل أحد، وعند الكرخي: يجب إجراء النهي على إطلاقه في الصحراء والبنيان، وكان ذلك من خواص النبي صلى الله عليه وسلّم، وتوقف القاضي عبد الجبار في المسألة.
وحجة الشافعيّ: أن النهي عام ومجموع الدليل الّذي يوجب علينا أن نفعل مثل فعل الرسول صلى الله عليه وسلّم مع كونه مستقبل القبلة في البنيان عند قضاء الحاجة أخص من ذلك النهي، والخاص مقدم على العام، فوجب القول بالتخصيص، أما إذا كان الفعل للفعل فعلا آخر، فذاك على وجهين.
الأول: أن يفعل الرسول صلى الله عليه وسلّم فعلا فيعلم بالدليل أن غيره مكلف به ثم نراه بعد ذلك قد أقر الناس على فعل ضده، فنعلم أنه خارج منه.
الثاني: إذا علمنا أن ذلك الفعل مما يلزم أمثاله للرسول صلى الله عليه وسلّم في مثل تلك الأوقات ما لم يرد ناسخ، ثم يفعل صلى الله عليه وسلّم ضده في مثل ذل الوقت، فنعلم أنه قد نسخ عنه.
تنبيه:
التخصيص والنسخ في الحقيقة إنما لحقا ما دلّ على أن ذلك الفعل لازم لغيره، فإنه لازم له في مستقبل الأوقات، وإنما يقال: أن ذلك الفعل قد لحقه النسخ، يعني أنه قد زال التعبد بمثله، فإن التخصيص قد لحقه على معنى أن المكلفين لا يلزمهم مثله والله أعلم، وأنه قال في جواب من سأل.
أم سلمة رضي الله عنها عن قبلة الصائم: ألا أخبرتيه أني أقبّل وأنا صائم، وأما المعقول فمن وجهين:
الأول: أن الاحتياط يقتضي حمل الشيء على أعظم مراتبه، وأعظم مراتب فعل الرسول صلى الله عليه وسلّم أن يكون واجبا عليه وعلى أمته، فوجب حمله عليه ببيان الأول أن الاحتياط يتضمن دفع ضرر الخوف عن النفس بالكلية، ودفع الضرر واجب ببيان الثاني، أن أعظم مراتب الفعل أن يكون واجبا على الكل.
الثاني: أنه لا نزاع في وجوب تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلّم في الجملة، وإيجاب الإتيان بمثل فعله تعظيم له بدليل العرف، والتعظيمان مشتركان في هذا القدر من المناسبة، فيجمع بينهما بالقدر المشترك فيكون ورود الشرع بإيجاب ذلك التعظيم يقتضي وروده بأن يجب على الأمة الإتيان بمثل فعله، والجواب عن الأول: أنا لا نسلّم أن الأمر حقيقة في الفعل، فليس حمله على ذلك بأولى من حمله على هذا سلمناه، لكن هاهنا ما يمنع حمله على الفعل من وجهين: الأول أن تقدم ذكر الدعاء وذكر المخالفة، وذكر الدعاء يمنع منه، فإن الإنسان إذا قال لعبده: لا تجعل دعائي كدعاء غيري واحذر مخالفة أمري، فهم منه أنه أراد بالأمر القول الثاني، وهو أنه قد أريد به القول بالإجماع، ولا يجوز حمله على الفعل، إلا أن اللفظ المشترك لا يجوز حمله على معنييه سلمنا ذلك، ولكنها راجعة إلى الله تعالى لأنه أقرب المذكورين، فإن قلت: القصد هو الحث على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلّم لأنه تعالى قال: {لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} 24: 63، فحث بذلك على الرجوع إلى أقواله وأفعاله، ثم عقب ذلك بقوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} 24: 63، فعلمنا أنه حث بذلك على التزام ما كان دعاء الله من الرجوع إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلّم، وأيضا فلم لا يجوز الحكم بصرف الكناية إلى الله والرسول؟ قلت: الجواب عن الأول صرف الضمير إلى الله تعالى مؤكد لهذا الغرض أيضا، ولأنه لما حثّ على الرجوع إلى أقوال الرسول وأفعاله ثم حذر عن مخالفة أمر الله تعالى كان ذلك تأكيدا لما هو المقصود من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلّم.
وعن الثاني: أن الهاء كناية عن واحد، فلا يجوز عوده إلى الله تعالى وإلى الرسول معا، سلمنا عود الضمير إلى الرسول فلم قلت أن الإتيان بمثل فعله مخالفة لأمره. فإن قلت يدل عليه أمران:
الأول: أن المخالفة ضد الموافقة، لكن موافقة الغير هو أن يفعل مثل فعله، فمخالفته هو أن لا يفعل مثل فعله.
الثاني: وهو أن المعقول من المختلفين هما اللذان لا يقوم أحدهما مقام الآخر، والعدم والوجود لا يقوم أحدهما مقام الآخر بوجه أصلا، فكانا في غاية المخالفة، فثبت أن عدم الإتيان بمثل فعله مخالف للإتيان بمثل فعله من كل الوجوه.
قلت: هب أنها في أصل الوضع كذلك، لكنها في عرف الشرع ليست كذلك، ولهذا لا يسمى إخلال الحائض بالصلاة مخالفة للمسلمين، بل هي عبارة عن عدم الإتيان بمثل فعله إذا كان الإتيان به واجبا، وعلى هذا لا يسمى ترك مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلّم مخالفة إلا إذا فعله على الوجوب، وإذا بينا ذلك بهذا لزم الدور وهو محال.
والجواب عن الثاني: لم قلتم أن الإتيان بمثل فعل الغير مطلقا يكون تأسيا به، بل عندنا كما يشترط في التأسي المساواة في الصورة يشترط فيه المساواة في الكيفية، حتى لو صام واجبا فتطوعنا بالصوم لم نكن متأسيين به، وعلى هذا لا يكون مطلق فعل الرسول صلى الله عليه وسلّم سببا للوجوب في حقنا لأن فعله قد لا يكون واجبا فيكون فعلنا إياه على سبيل الوجوب قادحا في التأسي به.
فالجواب عن الثالث: أن قوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ} 6: 153، إما أن لا يفيد العموم أو يفيد، فإن كان الأول سقط التمسك به، وإن كان الثاني فبتقدير أن لا يكون ذلك الفعل واجبا عليه وعلينا، وجب أن نعتقد فيه أيضا هذا الاعتقاد، فالحكم بالوجوب يناقضه، فوجب أن لا يتحقق، وهذا هو الجواب عن التمسك بقوله تعالى: {فَاتَّبِعُونِي} 3: 31.
والجواب عن الخامس: لا نسلّم أن قوله تعالى: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} 9: 7. يتناول الفعل، ويدل عليه وجهان.
الأول: أن قوله تعالى: {وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} على أنه عني بقوله: {ما آتاكُمُ} ما أمركم.
الثاني: أن الإتيان إنما يتأتى بالقول لأنا نحفظه، وامتثاله يصير كأننا أخذناه، فكأنه صلى الله عليه وسلّم أعطاناهـ.
والجواب عن السادس: أن الطاعة هي الإتيان بالمأمور به أو بالمراد على اختلاف المذهبين، فلم قلت: أن مجرد فعل الرسول صلى الله عليه وسلّم يدل على أنّا أمرنا بمثله أو أريد منا مثله؟ والجواب عن الإجماع من وجوه.
الأول: أن هذه آحاد ولا تفيد العلم، ولهم أن يقولوا: هب أنها تفيد الظن، لكن ما حصل ظن كونه دليلا ترتب عليه ظن ثبوت الحكم، فيكون العمل به دافعا للضرر المظنون فيكون واجبا، إلا أن أكثر هذه الأخبار واردة في الصلاة والحج، فلعله صلى الله عليه وسلّم كان قد بين لهم أن شرعه وشرعهم سواء في هذه الأمور، قال صلى الله عليه وسلّم: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وعليه خرج مسألة التقاء الختانين، وقال: «خذوا عني مناسككم»، وعليه يقبل عمر رضي الله عنه الحجر، وقال: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي»، وأما عن الوصال: فإنّهم ظنوا لما أمرهم بالصوم واشتغل معهم به أنه قصد بفعله بيان الواجب، فرد عليهم ظنهم وأنكر عليهم الموافقة.
وأما خلع النعل: فلا نعلم أنهم فعلوا ذلك واجبا، وأيضا لا يمتنع أن يكونوا لما رأوه قد خلع نعله مع قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 7: 31. ظنوا أن خلعها مأمور به غيرهم، لأنه لو كان مباحا ما ترك له المستنون في الصلاة على أنه صلى الله عليه وسلّم قال لهم: لم خلعتم نعالكم؟ فقالوا: لأنك خلعت نعلك، فقال: إن جبريل أخبرني أن فيهما أذى، فبين بهذا أنه ينبغي أن يعرفوا الّذي وقع عليه فعله صلى الله عليه وسلّم ثم يتبعوه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
وأما اقتران اسم النبي صلى الله عليه وسلّم باسم الله تعالى فإنه سبحانه قرن اسمه تعالى باسمه صلى الله عليه وسلّم في كتابه العزيز عند ذكر طاعته ومعصيته، وفرائضه وأحكامه، ووعده ووعيده، قال الله تعالى: {أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} 4: 59، وقال: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا} 5: 92، وقال: {يُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ الله} 9: 71، وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} 24: 62، وقال: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} 8: 24، وقال: {وَمن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ} 4: 14، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ} 33: 57، وقال: {بَراءَةٌ من الله وَرَسُولِهِ} 9: 1، وقال: {وَأَذانٌ من الله وَرَسُولِهِ} 9: 3، وقال: {وَلَمْ يَتَّخِذُوا من دُونِ الله وَلا رَسُولِهِ} 9: 16 [10]، وقال: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ من يُحادِدِ الله وَرَسُولَهُ} 9: 63 [11]، وقال: {إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ} 5: 33 [12]، وقال: {وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ} 9: 29 [13]، وقال: {وَمن يُشاقِقِ الله وَرَسُولَهُ} 8: 13 [14]، وقال: {قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} 8: 1 [15]، وقال: {فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ} 4: 59 [16]، وقال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ الله وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا الله سَيُؤْتِينَا الله من فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} 9: 59 [17]، وقال: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} 8: 41 [18]، وقال: {وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ الله وَرَسُولُهُ من فَضْلِهِ} 9: 74، وقال: {وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا الله وَرَسُولَهُ} 9: 90، وقال: {أَنْعَمَ الله عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} 33: 37، فقرن تعالى اسمه الكريم باسم رسوله محمد في جميع الأحكام والأصول، تعظيما لقدره وتشريفا له على غيره صلى الله عليه وسلّم.
وأما تقدم نبوته صلى الله عليه وسلّم قبل تمام خلق آدم عليه السلام فخرج الترمذي من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي، حدثنا يحي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قالوا: يا رسول الله! متى وجبت لك النبوة؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد»، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه، هذا آخر كلام الترمذي.
وقد رواه عباد بن جويرية عن الأوزاعي مرسلا، واختلف على الوليد بن مسلم فيه، فرواه بعضهم عنه مرسلا، ورواه بعضهم عنه فأسنده كما تقدم ذكره.
ولأبي نعيم من حديث إبراهيم بن طهمان عن بديل عن ميسرة، عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفجر قال: متى كنت يا رسول الله نبيا؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد»، وله من حديث حجاج بن منهال، حدثنا حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن رجل أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلّم: متى كنت نبيا؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد». كذا رواه حماد ولم يسم ميسرة، وتابعه عليه عن خالد الحذاء وهب بن خالد، ولأبي نعيم من حديث عمرو بن واقد، عن عروة بن رويم، عن الصنابجي قال عمر رضي الله عنه: متى جعلت نبيا؟ قال: «وآدم منجدل في الطين»، وله من حديث نصر بن مزاحم، حدثنا قيس بن الربيع عن جابر عن الشعبي، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله! متى كنت نبيا؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد». تفرد به نصر بن مزاحم.
وله من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن سعيد بن سويد، عن العرباض بن سارية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «إني عبد الله في أم الكتاب وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته»، وفي رواية: «أنا عبد الله خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته»، وفي رواية: «إني عبد الله مكتوب بخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته»، وفي رواية: «إني عبد الله لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته»، وخرجه الحاكم من حديث عثمان بن سعيد الدارميّ قال: قلت لأبي اليمان:حدثك أبو بكر بن أبي مريم الغساني عن سعيد بن سويد عن العرباض بن سارية السلمي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يقول: «إني عبد الله في أول الكتاب بخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، وسآتيكم بتأويل ذلك دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي بي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام». قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
وخرج أبو نعيم من حديث سعيد عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث»، وفي الصحيحين. من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة» الحديث، وله طرق، قال أبو نعيم: وكان صلى الله عليه وسلّم آخرهم في البعث، وبه ختمت النبوة، وهو قوله صلى الله عليه وسلّم: «بيد أن كل أمة أوتيت الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم»، هو بفتح الباء الموحدة وإسكان المثناة تحت، قال أبو عبيد: لفظه «بيد» تكون بمعنى غير، وبمعنى على، وبمعنى من أجل، وكله صحيح هنا، ويقال: «ميد» بمعنى «بيد».
قوله صلى الله عليه وسلّم: «هذا اليوم الّذي كتبه الله علينا هدانا الله له»، فيه دليل لوجوب الجمعة، وفيه فضيلة هذه الأمة. قوله صلى الله عليه وسلّم: «اليهود غدا»، أي عيد اليهود غدا، لأن ظروف الزمان لا تكون أخبارا عن الجثث فيقدر فيه معنى يمكن تقديره خبرا.
قوله صلى الله عليه وسلّم: «فهذا يومهم الّذي اختلفوا فيه هدانا الله»، قال القاضي: الظاهر أنه فرض عليهم تعظيم يوم الجمعة بغير تعيين، ووكل إلى اجتهادهم لإقامة شرائعهم فيه، فاختلف اجتهادهم في تعيينه، ولم يهدهم الله له، وفرضه على هذه الأمة مبينا، ولم يكله إلى اجتهادهم، ففازوا بتفضيله. قال: وقد جاء أن موسى عليه السلام أمرهم بالجمعة، وأعلمهم بفضلها فناظروه أن السبت أفضل، فقيل له: دعهم.
قال القاضي: ولو كان منصوصا لم يصح اختلافهم فيه، بل كان يقول: خالفوا فيه. قال الإمام النووي: ويمكن أن يكون أمروا به صريحا، ونصّ على عينه، فاختلفوا فيه، هل يلزم تعيينه أم لهم إبداله، وأبدلوه وغلطوا في إبداله. مسلم بشرح النووي: [6/ 391]، كتاب الجمة، باب [6] هداية هذه الأمة ليوم الجمعة، حديث رقم [19]، [20]، [21].
باقي طرق الحديث في المرجع السابق، حديث رقم [22]، [23]، كلها بسياقات قريبة من بعضها مع التقديم والتأخير والزيادة والنقصان لكن بمعنى واحد، وذكره أبو نعيم في الدلائل: [1/ 49]، باب ما روي في تقديم نبوته صلى الله عليه وسلّم قبل خلق آدم عليه السلام، حديث رقم [11]، والنسائي في الجمعة، باب إيجاب يوم الجمعة، حديث رقم [1366].
قال الحافظ السيوطي: قوله صلى الله عليه وسلّم: «نحن الآخرون»، أي الآخرون زمانا، الأولون منزلة، والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة لهم في الآخرة، بأنهم أول من يحشروا، وأول من يحاسب، وأول من يقضى بينهم، وأول من يدخل الجنة.
وقيل: المراد بالسبق إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل، وهو يوم الجمعة، وقيل المراد به السبق إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب فقالوا: {سَمِعْنا وَعَصَيْنا} [2: 93]، والأول أقوى. «بيد» بموحدة ثم تحتية ساكنه مثل «غير» وزنا، ومعنى، وإعرابا، وبه جزم الخليل والكسائي، ورجحه ابن سيدة.
وروى ابن أبي حاتم في مناقب الشافعيّ رحمه الله، عن الربيع، عنه، أن معنى «بيد» من أجل، وكذا ذكره ابن حبان والبغوي، عن المزني عن الشافعيّ، وقد استبعده القاضي عياض، ولا بعد فيه.
والمعنى إنا سبقنا بالفضل إذ هدينا للجمعة، مع تأخرنا في الزمان، بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم، ويشهد لهم ما في فوائد المقري بلفظ: نحن الآخرون في الدنيا، ونحن أول من يدخل الجنة، لأنهم أورثوا الكتاب من قبلنا، وقال الراويّ: هي بمعنى على أو مع.
قال القرطبي: إن كانت بمعنى غير فنصب على الاستثناء، وإن كانت بمعنى مع، فنصب على الظرف، وقال الطيبي: هي للاستثناء، وهي من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم. «أنهم أوتوا الكتاب قبلنا» اللام للجنس، والمراد التوراة والإنجيل: «وأوتيناه» المراد الكتاب، مرادا به القرآن، «وهذا اليوم الّذي كتب الله عليهم»، أي فرض عليهم تعظيمه، «فاختلفوا فيه»، قال ابن بطال: ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه، لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن، وإنما يدل والله تعالى أعلم على أنه فرض عليهم يوم الجمعة ووكل على اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم، فاختلفوا في أي الأيام هو، ولم يهتدوا ليوم الجمعة.